قراءة لمدة 4 دقائق
كيف دفعت الموسيقى دانيال دي ليون إلى دراسة المحيطات باستخدام تكنولوجيا "تعلّم الآلة"
لم يكن دانيال ملمًا بالهندسة عندما بدأ دراسته في الكلية، ولكن ها هو اليوم يحقّق إنجازات علميّة سبّاقة باستخدام تكنولوجيا "تعلّم الآلة" لتعقّب الحيتان المهدّدة بالانقراض.
عندما التقت والدة دانيال دي ليون "بيتي" بوالده "نارسيسو" للمرة الأولى في رحلة للكنيسة في سان بلاس في المكسيك، لم تكن تتحدّث الإسبانية وهو لم يتحدّث الإنجليزية، ولكنهما وجدا في الموسيقى وسيلةً للتواصل.
من غير المستغرب أن دانيال، وهو طالب في الـ 26 من العمر حاليًا ويدرس في جامعة ولاية كاليفورنيا للفنون المتعدّدة (California Polytechnic State University) يتمتّع بأذن موسيقية منذ الصغر، فقد أسس والداه فرقة مكسيكية تقليدية مكوّنة من ثلاثة أعضاء تدعى Trio Guadalupeño، حيث كانت تمارين الفرقة الأسبوعية وعروضها في احتفالات أعياد الميلاد والمعمودية والحفلات بمثابة موسيقى تصويرية رافقته خلال طفولته.
تعلّمتُ في دروس الفيزياء كيفية انتقال الموجات الصوتية إلى أذننا، وهو أمر مذهل للغاية، إذ أنها تولِّد العواطف التي تُشعرنا بالسعادة وتملؤنا بالحماس.
دانيال دي ليون
كان لحصة الفيزياء في الكلية دورٌ في تحويل حبّ دانيال للموسيقى إلى شغف بعلم الصوتيات. ومع تعمّقه أكثر في هذا المجال وبالنظر إلى خلفيته القوية في عالم الموسيقى، حصل دانيال على فرصة للمشاركة في برنامج تدريبي في "معهد خليج مونتيري للأبحاث المائية" (MBARI)، حيث ساعَد العالميْن دانيل كلاين وجون رايان على دراسة المحيطات من خلال الاستماع إلى نداءات الحيتان.
"تستخدم الحيتان الأصوات للتواصل، مثلما فعل والداي باستخدام الموسيقى عندما تعارفا، ما جعلني أفكّر في أهمية الموسيقى كوسيلة للتواصل بينهما."
دانيال دي ليون
يمكن للعلماء اكتشاف الكثيرعن تأثير الأنشطة البشرية على الحياة البحرية من خلال تعقّب نداءات الحيتان الزرقاء والزعنفية المهددة بالانقراض وأنماط هجرتها المتغيرة. ونظرًا لشغف دانيال بالموسيقى، اعتقد جون ودانيل أنه لن يمانع قضاء فصل الصيف في الاستماع إلى أصوات المحيط باستخدام هيدروفون المعهد، وهو عبارة عن ميكروفون موجود على عمق يبلغ 900 متر. ولكن مهمة دانيال كانت أكثر تعقيدًا من مجرد الاستماع إلى التسجيلات.
تغطي المحيطات 70 في المائة من سطح الأرض وهي بالغة العمق، حيث يختفي 99 في المائة من الضوء عند الغوص إلى عمق 23 مترًا. وعلى العكس ينتقل الصوت آلاف الأميال، ولهذا السبب تستخدم الثدييات البحرية الصوت في جميع أنشطتها اليومية، ويمكننا تعلّم الكثيرعن حياتها بمجرّد الاستماع إليها.
جون رايان، عالم محيطات بيولوجي
وكونه يسجّل الصوت على مدار الساعة، فإن الهيدروفون يضع العلماء أمام معضلة التعامل مع كمّية هائلة من البيانات، وقد يستغرق تحليل كل جزء من الأصوات المسجّلة بدقة سنوات طويلة. وبالتالي كان على دانيال استخدام برنامج TensorFlow، وهو أداة "تعلّم الآلة" المفتوحة المصدر من Google، لمساعدته في العملية الشاقة لتحليل الملفات الصوتية والتعرّف على نداءات الحيتان ووكل هذا في غضون أيام بدلاً من سنوات.
عندما بدأ دانيال فترة التدريب لم يسبق له مطلقًا استخدام برنامج TensorFlow، ولكنه كان بارعًا في الرياضيات التي تُشكّل أساس تكنولوجيا "تعلّم الآلة"، وهي سلسلة من الخوارزميات التي تحلل البيانات وتتعلّم كيفية التعرّف على الأنماط.
وتُعتبر الحيتان الزرقاء والزعنفية من الحيوانات الأعلى صوتًا على وجه الأرض، حيث تقطع نداءاتها منخفضة التردد مسافات طويلة عبر المحيط، مما يجعلها مخلوقات مناسبة جدًا للدراسة. ويمكن للهيدروفون في معهد مونتيري باي لأبحاث الأحياء المائية سماع الحيتان على بعد 500 كيلومتر.
يجب تحويل الموجات الصوتية التي يسجلها الهيدروفون إلى بيانات مرئية على شكل مخطط طيفي يُمثّل خريطة للصوت على مدار الزمن، ثم يُدخل دانيال تلك المخططات الطيفية إلى برنامج TensorFlow لتعليمه أنماط نداءات الحيتان الزرقاء والزعنفية. تتعلّم البرامج القائمة على تكنولوجيا "تعلّم الآلة" عن طريق التكرار، تمامًا كتدريب جرو صغير. كلما أضاف دانيال أمثلة جديدة، ازدادت دقّة البرنامج في رصد الأنماط. واستخدم دانيال أكثر من 18,000 مثال عن نداءات معزولة للحيتان لتدريب برنامج TensorFlow.
تكنولوجيا "تعلّم الآلة" هي تعليم الكمبيوتر كيفية الكشف عن الأنماط.
دانيال دي ليون
وبمرور الوقت، تمكّن دانيال من تعليم برنامج TensorFlow كيفية التعرّف على نداءات الحيتان بدقة تبلغ 98.05 في المائة. ويستطيع النموذج التفرقة بين الحوت الأزرق والحوت الزعنفي وتحديد توقيت إطلاق النداء ومدته، إضافةً إلى مدى ارتفاع الصوت.
حوت أزرق
حوت زعنفي
"نحن نشهد مرحلةً محوريةً في دراسة علم المحيطات، وهي بدورها فترة هامة بالنسبة لتعلًم الآلة، كوننا بدأنا في حل مشاكل لم نكن قادرين على حلها قبل خمس سنوات."
دانيل كلاين ، مهندس برمجيات أول
استخدم دانيال تكنولوجيا "تعلّم الآلة" في أبحاثه التي ساعدت زميليْه جون ودانيل على وضع أساسيات البرمجة الخاصة برصد نداءات الحيتان وتصنيفها. وهم قادرون الآن على تركيز جهودهم نحو المسائل المهمّة، مثل كيفية تغيّر أنماط الهجرة لدى هذه المخلوقات الضخمة وما يمكن استنتاجه حول التأثير البشري على الحياة البحرية، من التلوّث الضوضائي إلى التغيّر المناخي.
" لم أفكر يومًا في أن أصبح عالِمًا حيث لم أكن واثقًا بقدرتي على تحقيق ذلك، ولكن فضولي تجاه العالم والكون حفّزني على خوض هذه التجربة."
دانيال دي ليون